يحقّ للحُبّ ما لا يحقّ لغَيره

لعلّ أكثر أشكال الإبداع اقترانًا بالحُبّ هو الشّعر، فالاثنان لا يتّفق التأريخ على زمن ابتدائهما، ولربّما كلاهما قديمٌ قِدَم البشريّة، إن لَم نقُل إفراطًا في الشّاعرية: يسبقانها. وكما الحبّ، تتبدّل أحوال الشّعر لغةً وشكلًا ومضمونًا وإيقاعًا، لكنّه لا يغادرنا، ولا يكفّ يرافقنا، ويؤنسُنا، ويغيّرنا، ويحرّكنا ويمنحنا دافعًا حسّيًا وعاطفيًا وإبداعيًا للفعل والحياة. الحبّ والشّعر نجدهما في كلّ ركن؛ عندما نقع في الغرام، أو نستمع إلى الموسيقى، أو ننسج صداقةً طيّبة، أو نجتمع والعائلة على مأدبةٍ دافئة، أو نلوّح لجارنا الدكنجي صباحًا، أو نحضر صلاةً أو طقسًا قُدسيًا ما، أو نصطحب معنا إلى المنزل قطًا شريدًا، أو نذوب في روحانيةٍ صوفية، أو نبقى في مدينةٍ تسحقنا لكن نعجز عن فراقها، أو نختلي بأنفسنا برفقة كتابٍ ساحرٍ أو قصيدةٍ مغنّاة. لا حدود لتجربتَي الحُبّ والشّعر اللّذَين يُشغلان كلّ عضلات الوجود: القلبُ والعقلُ والجسَد.

وبرغم الدراسات والمؤلفات النقديّة والتحليلية القيّمة، بوسعنا أن نختار اليومَ ألّا يكون للحبّ قواعد، كما لا قواعد في الشّعر، وأن يحقّ لهما ما لا يحقّ لغيرهما. رفيقان لا يفترقان هما، مذ وقف امرؤ القيس على أطلال حبّه في صحراء نَجد في مطلع القرن السّادس، إلى أن اعترفَت ريم نجمي بعجزها عن تعريف الحُبّ في ديوانها "كُن بريئًا كذئبٍ" عام 2018. لا مكان للزّمن في الحبّ، ولا مكان للقيود أو الفَهم المنطقي للفُكاك منهما. لعلّهما بذلك معًا، أجمَل تجلّيات الحرّية الإنسانية في استسلامها التام للقدَر والجَمال والشّغَف.

هذا العام، احتفالًا بحرّية الحُبّ بجميع ألوانه وحكاياته ودرجاته، وإيمانًا منّا بمكانة الشّعر كشكلٍ إبداعي ومعرفيّ يتفوّق بمرونته وهشاشته قدرةً على صنع الحبّ والحياة والحديث عنهما، اخترنا في "جيم" أن نشارككنّ/م مختاراتٍ شعريةً باللّغة العربيّة لشاعراتٍ وشعراء من أجيالٍ وتجارب وحيواتٍ متنوعة، من لبنان، وفلسطين، والمغرب، ومصر وسوريا في محاولاتهنّ/م اليائسة والسّاحرة في آن، لتفكيك الحُبّ وابتلاعه شِعرًا، دون هوادة، حتى ينتهي الأمر بأن يغدو الاثنان واحدًا لا ثالث لهُ/ما.


   رفضتِ

   رحلةً إلى القمر

   لكَي

   تبقي

   هنيهةً أخرى

   في السرير.

            - إتيل عدنان (لبنان)

            "قصائد حب"، 1975، كاليفورنيا


   كيف كانت ستبدو شجرة العائلة

   بلا غصن أمّي؟

   أين كانت ستحطّ

   هذه العصافير؟

          - جعفر العلوي (سوريا)

          ديوان "قبل أن يرتدّ بابُ الندم على أصابعي"، 2017، منشورات المتوسّط


   لا أستطيع أن أُعرّف الحب -

   لكني أعتقد أنه هو تلك الدقائق

   التي أشتاق فيها إليكَ

   عندما تخرج لشراء الخبز

   صباح الأحد.

          - ريم نجمي (المغرب)

          ديوان "كُن بريئًا كذئب"، 2018، منشورات المتوسّط


   كفاني أموتُ عليها وأُدفن فيها

   وتحت ثراها أذوب وأفنى

   وأُبعث عشبًا على أرضها

   وأُبعث زهرةً إليها

   تعبث بها كفّ طفلٍ نمَته بلادي

   كفاني أظلّ بحضن بلادي

   ترابًا،‌ وعشبًا وزهرة.

          - فدوى طوقان (فلسطين)

          ديوان "الليل والفُرسان"، 1982، دار العودة


   نساءٌ مع رجال

   نساءٌ مع نساء

   رجالٌ مع رجال

   الحبّ من كلّ جانب

   أراه من على مسافة

   لكنّه لا يمسّني

   فأمشي.

          - فرح برقاوي (فلسطين)

          مجموعة "And We Chose Everything"

          2018 ،Turning Point Books          


   إلهنا الأزرق

   لم نعُد نعبده

   وما زلنا نحبّه

   [...]

   لمَ لا نتذكّر البحر إلّا

   عندما تموت العصافير

   على الشّرفات؟

          - زينة هاشم بيك (لبنان)

          مجموعة "And We Chose Everything"

2018 ،Turning Point Books          


   قرّرتُ اليومَ أن أبتسِم

   للمستشفياتِ

   والمقابِر.

   الموتى يستحقّون الحبّ أيضًا،

   لحظة اكتشفوا

   أن ليس من نارٍ لهم

   ولا جنّة.

          - هاشم هاشم (لبنان)

          "قرّرتُ اليومَ أن أبتسم"، 2019


   كنتُ أريد أن أقبّلكِ

   فتتوقَف الطلقات

   في حلوق البنادق.

   أن تحضنيني

   فيتعرقل جنزير دبابة

   في وردة.

          - عماد أبو صالح (مصر)

          ديوان "جمالٌ كافر"، 2005، إلكتروني

Add new comment

The content of this field is kept private and will not be shown publicly.

Plain text

  • No HTML tags allowed.
  • Lines and paragraphs break automatically.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.